فصل: تفسير الآيات (1- 4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (204- 206):

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ (206)}
استمعوا له: اصغوا. انصتوا: اسكتوا. خيفة: حالة الخوف والخشية في الغدو والآصال: اوقات الصباح والمساء. يسبّحونه: ينزهونه عما لا يليق به.
لما ذكّر اللهُ مزايا القرآن الكريم، وانه بصائر تكشف وتنير وهدى يرشد ويهدي، ورحمة تغمر وتفيض- امر في هذه الآية بالاستماع والانصات له، لتدبُّرِ ما فيه من ذلك. فنذوه إلى أنه:
اذا تُلي القرآن عليكم ايها المؤمنون فأصغوا اليه بأسماعكم، واستجمِعوا حواسكم لتتدبروا مواعظه، وتفوزوا برحمة ربكم.
وبعد أن جاء الأمر بهذا العلاج فيه يختص بالمعاملة، وفيما يختص بقراءة القرآن، يأتي الأمر والتوجيه إلى مَلاك الأمر كله وهو ذِكر الله في القلب بعظَمته وجلاله رجاءَ الثواب، على أن يكون ذلك بهدوء واطمئنان لا ازعاج فيه، كيما تهدأ الاعصاب ويسبح الفكر في معاني الجلال والجمال، كما يرشد إلى ان يكون ذلك شأن المؤمن في كل وقت.
{واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجهر مِنَ القول بالغدو والآصال وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين}.
استحضِرْ عظَمة ربك من مشاهداتك في كونه الذي خلق، وفي آثاره العظيمة فيه، وانعاماته المادية والروحية عليك، فتعرَّف من كل هذا على ربوبيته بالتقرب اليه والخضوع له والخوف منه. واذكر ربّك هادئ النفس مطمئن البال في لاصباح وفي المساء تَنغمر نفسك بقيض من الرضا الرّباني، يبعث منك واليك الخير كله، وتكون في مراقبة دائمة وشهود مستمر، بذلك لا تكون في عامة اوقاتك من الغافلين عن ذكر الله.
ثم تختم السورة بالارشاد إلى ان الملائكة مع عظيم شرفهم وسمو مرتبتهم معترفون بعوديتهم، خاضعون عزّ الربوبية، لا يخالجهم في عبادتهم كِبر، وهم دائما يسبّحون الله وله يسجدون. فما احوج الإنسان وقد ركّبت فيه مبادئ الشهوة والغضب ان يتخذ إلى ربه سبيلا، فيعبد بحق.
وهذه الآية إحدلا الآيات التي طُلب إلى المؤمنين ان يسجُدوا عند تلاوتها أو سماعها، وهي اربع عشرة آية في القرآن الكريم.
وهذه هي السجدة المعرفوة بسجدة التلاوة: وهي سجدة بين تكبيرتين: تكبيرة لوضع الجبهة على الأرض، وأخرى للرفع من السجود، دون تشهد ولا تسليم. ويشترط لها ما يشترط لصلاة م الطهارة والنية واستقبال القبلة.
والحكمة في هذه السجدة انها نوع من التربية العملية الروحية في اعلان التمسك بالحق والاعراض عن الباطل، ومراغمة المبطلين، والسير في طريق المثل العليا للذين حمَّلهم الله امانة الحق والدعوة اليه. وبذلك كانت سجدة الثلاوةو شعارا عاما للمؤمنين في اعلان تقديسهم عبادتهم، وشدتهم في مخلافة البالطل كلَّما قرأوا القرآن أو سموه جعلّنا الله من المسبحين بحمده، الساجدين له، المقتدين بانبيائه، المتشبيهن بالملأ الأعلى، انه سميع مجيب.

.سورة الأنفال:

.تفسير الآيات (1- 4):

{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}
الانفال: جمع نَفَل بالتحريك وهي الغنيمة. ذات بينكم: فيما بينكم. وجلت قلوبم: فزت وخافت.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجراً إلى المدينة بسبب مكر المشركين وتدبيرِهم أمر قتله، وليكون للمسلمين دولة. وقد استقر بالمدينة ومن حوله المؤمنون من المهاجرين والانصار، وكان لابد من الجهاد لدفع الاعتداء، ليكلا يُفتَن أهلُ الايمان. فكانت غزوة بدر، وكان فيها النصر المبين والغنائم. وكان وراء الغنائم فيها نفوس بعض المسلمين لتطهيرها من الاختلاف الذي نشأ عن حب المال والتطلع إلى المادة، وهو من اكبر اسباب الفشل.
فكان من مقتضيات الحكمة الإلهية ان يتلقى المؤمنون في مبدأ حياتهم هذا الدرس القوي الذي يقتلع بذور الشح والطمع وحب المادة من قلوبهم.
يسألونك أيها الرسول عن الغنائم. لمن هي؟ وكيف تقسم، أللشُبّان أم للشيوخ؟ أو للمهاجرين هي، أم للانصار؟ ام لهم جميعا؟.
قل لهم أيها الرسول:
إنها لله والرسول، والرسول بأمر ربه يتولى تقسيمها، فاتركوا الاختلاف بشأنها، واتقوا الله واجعلوا خوف الله وطاعته شِعاركم، وأصلحوا ما بينكمن فاجعلواالصلاة بينكم محبة وعدلا. هذه صفةُ أهل الايمان.
ثم وصف الله تعالى المؤمنين المخلصين في ايمانهم بأنهم هم الذين اجتمعت فيهم خصالٌ خمس:
(1) {الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الذين إذا ذكَروا الله بقلوبهم فزِعوا لعظمته وسلطانه، وامتلأت قلوبهم هيبة.
(2) {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} وكلّما تليت عليهم آيات من القرآن ازداد إيمانهم رسوخا، وازداودا إعاناً وعلما.
(3) {وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ولا يعتمدون الا على الله الذي خلَقَهم، ولا يفوّضون أمرهم إلى سواه. ومعنى التوكل: إن نسعى للعمل كما أمرنا الله راجين منه التوفيق في سعينا مؤمنين بان العمل شرط أساسيُّ للتوكل.
(4) {الذين يُقِيمُونَ الصلاة} واولئك المؤمنون الصادقون في ايمانهم، يؤدون الصلاة مستوفية الاركان، كاملة الخشوع والخضوع، وبهذا تحصل ثمرة الصلاةالتي تنهى عن الفحشاء والمنكر.
(5) {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} وينفقون بعض ما رزقناهم من المال في الجهاد والبِرِّ ومعاونة الضعفاء، وفي مصالح الأمة ومرافعها العامة.
{أولاائك هُمُ المؤمنون حَقّاً...} هؤلاء، هم الذين يوصفون بالامان حقا وصدقا. ولهم جزاؤهم درجات عالية عند الله، وهو الذي يمنحهم رضاه، ويغفر لهم سيئاتِهم، ويرزقهم رزقاً طيباً كريما في الحياة الدنيا، ونعيماً دائماً في الآخرة.

.تفسير الآيات (5- 8):

{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}
الشوكة: القوة والبأس، والسلاح، ومعنى ذات الشوكة: الطائفة المسلّحة القوية. احدى الطائفتين: الأولى هي الطائفة التي جاءت من الشام بقيادة أبي سفيان ومعها العِير وفيها اموال قريش. والثانية: قريش وقد خرجت بصناديِدها ورجالها المسلّحين ليحموا العير. دابر الكافرين: آخرهم ليحق الحق: ليعزّ الإسلام ويبطل الباطل: يزيل الشرك والكفر.
الكلام هنا عن غزوة بدر التي كانت أول فوزٍ للمؤمنين وخذلانٍ للمشركين. وملخص القصة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع أن أبا سفيانَ رجع من الشام يقود قافلةً ضخمة فيها معظم اموال قريش وتجارتها. فأخبر أصحابه ونَدَبَهم إلى الخروج ليصادروا هذه القافلة لكن البعض تثاقل وكره الخروج وخرج الرسول في ثلاثمائة رجل ونيف، ولم يعلموا انهم مقبلون على واحدة من أعظم المعارك الفاصلة في التاريخ.
وعِلم أبو سفيان بخروج الرسول وأصحابه فبعث إلى قريش يطلب النجدة. ولم يبق أحد قادر على حمل السلاح في مكة إلا خرج. اما أبو سفيان فحوّل طريقه إلى ساحل البحر ونجا، وبعث إلى قريش يخبرهم بذلك ليرجعوا. فأبى أبو جهل وسار بالقوم إلى بدر. فشاور النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه وقال لهم: إن الله وعَدَني إحدى الطائفتين، فوافقوه على القتال، وكره ذلك بعضهم وقالوا: لم نستعدَّ له، لكنهم ساروا وأجمعوا على لقاء قريش وكانت المعركة في اليوم السابع عشر من شهر رمضان للسنة الثانية من الهجرة وقد انتصر المسلمون انتصراً عظيما، فقتلوا من قريش سبعين رجلا، وأسروا سبعين، وفر الباقون، واستُشهد من المسلمين اربعة عشر رجلا فقط. وكانت هذه المعركة أول نصر للمسلمين، فبدأ ينحاز كثير من العرب إلى جانبهم بعد ذلك.
{كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ}.
إن حال المؤمنين في خلافهم حول الغنائم مثل حالهم عند ما أمرك اللهُ بالخروج من المدنية لقتال المشركين ببَدْر.
يومئذٍ كانوا يجادلونك ايها لارسلو في لقاء قريش وقتالهم مع ان هذا اللقاء والقتال مع ان هذا اللقاء والقتال حق وخير. ولقد آثروا لقاء العِير لأن فيها الأموال، ولأن حراسها قليلون. لكن الحق تبيَّنَ بحيث لم يبقَ للجدل فيه وجه كما يقول تعالى: {يُجَادِلُونَكَ فِي الحق بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الموت وَهُمْ يَنظُرُونَ} وكانوا في ذهابهم إلى القتال كالذي يُساق إلى الموت وهو ينظر أسبابه ويعاينُها. وهذه صورة يرسمها القرآن لشدَّة خوفهم من قريش، لأنها أكثرُ عددا، وأقوى عدة.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين...} الآية اذكروا أيها المؤمنون اذ يَعِدكم الله ان ينصركم على احدى الطائفتين، قريش وفرسانها، أو العِير وما فيها من أموال. انتم تودّون أن تَلقوا الطائفة التي فيها المال، لكنّ الله تعالى يريدكم ان تلقوا قريشاً وينصركم عليهم، ليثبت الحقُّ بإرادته ويُعز الإسلام ويُظهره على الدِّين كلّه، وليقطع دابر الكافرين بعد أن يزيل الباطل، وهو الشِرك، لقد أردتم أنتم حطام الدنيا الزائل، واراد الله لكم النصر على قريش أعداءِ الله واعدائكم، كيما يحقِّق لكم وعدَه بالنصر. هذا أفضلُ لكن وللاسلامن وفيه العزة والكرامة، وهو خير من المال وكل ما في الدنيا من حطام الدنيا الزائل، واراد الله لكم النصر على قريش أعداءِ الله واعدائكم، كيما يحقِّق لكم وعدّه بالنصر هذا أفضلُ لكم وللاسلام، وفيه العزة والكرامة، وهو خير من المال وكل ما في الدنيا من حطام.

.تفسير الآيات (9- 14):

{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (14)}
مردفين: متتابعين، وأردفه اركبه خلفه. وأردف: تتابع يغشيكم النعاس: يغلبكم رجز الشيطان: وسوسته، وله معان اخرى كالذنب، وعبادة الاوثان. ليربط على قلوبكم: ليثبتها ويصبرها. فوق الاعناق: الرؤوس، والبنان: اطراف الاصابع. مفرده: بنانة. شاقّوا الله: عادوه.
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ....} روى ابن جرير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطّاب رضي اله عنه قال: لما كان يومُ بدرٍ نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى اصحابه وهم ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألفٌ أو يزيدون، فاستقلَ القبلة ثم مدّ يديه وجعل يهتف بربه: اللهمّ أنجِزْ لي ما وعدتني، اللهم إن تهلَك هذه العصابةُ لا تُعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه مادّاً يديه مستقبلاً القبلة حتى سقط راداؤه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه لعى منكبيه ثم التزمخ من وارئه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربَّك فإن سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ...} الآية.
اذكروا وقتَ استغاثتكمن ربَّكم، فأجاب الله دعاءكم، وأمدكم بألف من الملائكة متتابعين. وما جعل الله تعالى ذلك الإمداد بالملائكة إلا بِشارةً لكم بالنصر، لتطمئنّوا وتُقْدِموا، وما النصر الا من عند الله دون غيره من الملائكة أو سواهم، وقد تقدمت هذه الآية في سورة آل عمران 126.

.قراءات:

قرأ أبو عمرو: {فاستجاب لكم إنّي ممدكم} بكسر همزة إنَّ والباقون {أَنّي} بفتح الهمزة وقرأ نافع ويعقوب: {مُرْدَفين} بفتح الدال. والباقون {مردفين} بكسر الدال.
{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس أَمَنَةً....} اذكروا ايها المؤمنون، وقتَ أن خفتم من قلة الماء، ومن الأعداء، فوهبكم الله الأمن وداهمكم النعاسُ فنمتم آمنين. وعند ذاك انزل الماءَ من السماء لتطَّهَّروا به ولتذهبوا وساوس الشيطان عنكم، وتثبت قلبوكم واثقة بعون اللهن ولتتماسك به الأرض فتثُبت منكم الاقدام.

.قراءات:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {يغاشكم النعاسُ} بضم السين.
فقد أنزل الله في تلك الليلة مطرا طهَّركم به وأذهب عنكم رجس الشيطان، ووطَّأ به الأرض وصلُب الرمل، وثبتت الأقدام. وقد سبق رسول الله واصحابه إلى الماء فنزلوا عليه وصنعوا الحِياض ثم عوَّروا ما عداها، وبذلك تمكّنوا من الشرب والأعاداء عِكاش. وتفصل ذلك في كمتب السيرة والحديث.
كذلك اذكروا أيها المؤمنون أن الله أوصى الملائكة أن تودِع في نفوسكم أن الله معكم بالتأييد والنصر، قائلا لهم: ثبِّتوا الذين آموا، قوُّوا قلوبهم.. وسأجعل الرعب يستولي على قلوب المشركين، فاضربوا رؤوسهم التي فوق اعناقهم، وقطِّعوا ايديهم التي يحملون بها السيوف.
{ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النار} ان هذا هو العقاب الذي عجَّلتُ لكم به ايها الكافرون من هزيمة وخِزي وذلّ امام فئة قليلة العَدد والعُدد من المسلمين، فذوقوه في الدنيا عاجلا، واعلموا ان لكم في الآخرة عذاب النار.